سورة البقرة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه: لا تُغنِي، كما يقال: البقرة تَجْزِي عن سبعةٍ أي تُغِني، وهو قول السدي.
والثاني: معناه لا تقضي، ومنه قولهم جزى الله فلاناً عني خيراً، أي قضاه، وهو قول المفضل.
{وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قال الحسن: معناه لا يجِيءُ بشفيعٍ تقبل شفاعته لعجزه عنه، وقال غيره: بل معناه، أن الشفيع لا يجيبه إلى الشفاعة له، وأنَّه لو شُفِّعَ لشَفَعَ.
قوله عز وجل: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}: العَدْلُ بفتح العَيْنِ: الفِدْيَةُ، وبكسرِ العَيْنِ: المِثلُ.
فأما قولهم: لا قَبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الصرف العمل، والعدل الفدية، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني: أن الصرف الدية، والعدل رجل مكانه، وهذا قول الكلبي.
والثالث: أن الصرف التطوع، والعدل الفريضة، وهذا قول الأصمعي.
والرابع: أن الصرف الحِيلَةُ، والعدل الفدْية، وهذا قول أبي عبيدة.


قوله عز وجل: {وَإِذْ نَجَّيناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} يعني من قوم فرعون، وآل الرَّجُلِ: هم الَّذين تؤول أمورهم إليه، إما في نسب، أو في صحبة، وَاختُلِف في الآل والأهل على قولين:
أحدهما: أنهما سواء.
والثاني: وهو قول الكسائي: أنه يقال: آل الرجل، إذا ذكر اسمهُ، فإن كُنَيَ عنه قيل أهله، ولم يُقَلْ آله، كما يقال: أهل العلم، وأهل البصرة، ولا يقال: آل العلم، وآل البصرة.
وفِرْعَوْنُ: قيل إنه ذلك الرجل بعينه، وقيل إنه اسمُ كلِّ ملكٍ من ملوك العمالقة، مثل قيصر للروم، وكسرى للفرس، وأن اسْمَ فِرْعَوْنِ مَوسَى: الوليدُ بنُ مُصْعَبٍ.
وفي قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ثلاثةُ تأويلاتٍ:
أحدها: معناه يولونكم، مِنْ قولهم: سَامَهُ خطة خَسْفٍ، إذا أولاه.
والثاني: يُجَشِّمُونَكُمُ الأعمال الشَّاقَّة.
والثالث: يزيدونكم على سوء العذاب، ومنه مساومة البيع، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ، ويزيد المشتري على ثمنٍ، وهذا قول المفضل.
قوله تعالى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي يستبقون، وهو استفعال من الحياة، لأنهم كانوا يُذَبِّحُونَ الذكور، ويستبقون الإناث.
وأما اسم النساء، فقد قيل: إنه ينطلق على الصغار، والكبار، وقيل: بل ينطلق على الكبار، وإنما سَمَّي الصغار نساءً، على معنى أنهُنَّ يبقِين، حتَّى يصِرْنَ نساءً.
وإنما كان استبقاءُ النساء من سوء العذاب، لأنهم كانوا يستبقونهن للاسترقاق والخدمة، فصار ذلك هو سُوءَ العذاب، لا الاستبقاء.
وفي قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} تأويلان:
أحدهما: أن فيما كانوا يفعلونه بهم: مِنْ سوء العذاب، وذبح الأبناء، واستحياء النساءِ شدةً وجهداً عظيماً.
والثاني: أن في إنجائهم من آل فرعونَ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ، وهو قول ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، والسدي.
وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر، كما قال عز وجل: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، غير أن الأكثر في الشر أن يقال: بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً، وفي الخير: أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ:
جَزَى اللهُ بِالإْحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُمْ *** فَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاءِ الَّذِي يَبْلُو
فجمع بين اللُّغَتين.
قوله عز وجل: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} فيه تأويلان: أحدهما: وإذ فصلنا بكم البحر، لأن الفرْقَ: الفصل بين الشيئين، فَفَرَقَ البحر اثني عشر طريقاً، وكان عددهم ستمائة ألفٍ وعشرين ألفاً، لا يُعَدُّ فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره، وكان على مقدمة فرعونَ هامانُ في ألْفِ ألْفٍ، وسبعمائة حصانٍ، وذلك قوله: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ في الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْ ذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء: 53، 54] وهذا قول السدي.
والثاني: أن معناه: وإذ فرقنا بينكم وبين البحر، أي ميزنا، فأصل الفرق التمييز بين الشيئين، والفِرْقَةُ من الناس: الطائفة المتميزة من غيرهم.
والبحر سُمِّيَ بحراً لسعته وانبساطه، ومنه قولهم: تبحَّر في العلم، إذا اتَّسع فيه، والبَحِيرَةُ: الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها شَقّاً واسعاً.
قوله تعالى: {فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} فحذف ذِكْرَ فرْعَوْنَ وإن غَرِقَ معهم، لأنه قد عُلِمَ دخوله فيهم.
قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} يعني إلى فَرْقِ البحر، حتى سلكوا فيه، وانطباقه على آل فرعون، حتى غرقوا فيه.


قوله تعالى: {وّإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}:
أما مُوسَى، فاسم يَجْمَعُ بين كلمتين بالقبطية وهما: ماء وشجر، ف: مُوهو الماء، و(سا) هو الشجر، وإنما سُمِّيَ بهذا الاسم الجامع لهاتين الكلمتين، لما ذكره السدي من أنَّ أمه لما خافت عليه جعلته في التابوت، وألقته في اليم، كما أُوحِيَ إليها، فألقاه بين أشجار عند بيت فرعون، فخرجت حَواريُّ آسيةَ امرأةِ فرعون يغتسلن، فوجدنه، فسُمِّيَ باسم المكان.
قال ابن إسحاق: وهو موسى بنُ عمرانَ بنِ يصهر بنِ فاهت بنِ لاوى بن يعقوب (إسرائيل) بنِ إسحاق بنِ إبراهيم.
وقوله تعالى: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} قال ابنُ الكلبي: لما جاوز موسى ببني إسرائيل البحر، قال له بنو إسرائيل: أليس وعدتنا أن تأتينا بكتابٍ من الله تعالى؟ فوعده الله أربعين ليلة، ووعدها بني إسرائيل، قال أبو العالية: هي ذو القِعْدةِ وعَشْرٌ من ذي الحِجَّة، ثم اقتصر على ذكر الليالي دون الأيام، وإن كانت الأيام تبعاً معها، لأن أوَّلَ الشهورِ الليالي، فصارت الأيامُ لها تبعاً.
قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ} يعني اتخذتموه إلهاً من بعد خروج موسى إلى الميقات، واستخلافِهِ هارونَ عليهم.
وسببُ ذلك فيما ذكر ابن عباسٍ، أنَّ السامِرِيَّ كان من قومٍ يعبدون البقر، فكان حبُّ ذلك في نفسه بعْدَ إظهاره الإسلام، وكان قد عَرَفَ جبريل لأن أمه حين خافت عليه أن يُذْبَحَ خَلَّفَتْهُ في غار، وأطبقت عليه، وكان جبريل يأتيه، فيغذوه بأصابعه، فلمَّا رآه حين عبر البحر عرفه، فقبض قبضةً من أثر فرسه، وكان ابن مسعودٍ يقرأ: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ} ولم تزل القبضة في يده، حتى فصل موسى إلى ربه، وخلَّف هارون في بني إسرائيل، فقال لهم هارون: قد تحمَّلْتُمْ أوزاراً من زينة القوم، يعني أمتعةً وحُلِيَاً، فَتَطهَّرُوا منها فإنها نَجَسٌ، فأوقد لهم ناراً، وأمرهم بقذف ما كان معهم ففعلوا، فأقبل السامِرِيُّ إلى النار وقال: يا نبيَّ الله أُلْقِي ما في يدي؟ قال: نعم، وهو يظن أنَّهُ حُلِيٌّ، فقذفه، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار.
واختلفوا: هل صار حيواناً لحماً ودماً أم لا؟
فقال الحسن: انقلب حيواناً لحماً ودماً، وقال غيره لا يجوز لأن ذلك من آيات الله عز وجل التي لا يُظْهِرُها إلاَّ لمعجزَةِ نبيٍّ، وإنما جعل فيه خروقاً تَدْخُلُها الرِّيحُ، فَيَحْدُثُ فيهِ صوتٌ كالخوار.
ودافع من تابع الحسن على قوله هذا، بوجهين:
أحدهما: أنه لما قال: هذا إلهكم وإلهُ موسى، فقد أبطل على نفسه أن يدَّعِيَ بذلك إعجاز الأنبياء، فجاز أن يصح ذلك منه امتحاناً.
والثاني: أن ذلك لا يجوز في غير زمان الأنبياء، ويجوز في زمان الأنبياء، لأنهم يُظهِرُون إبطاله، وقد كان ذلك في زمان نبيَّيْنِ.
واختلفوا في تسميته عجلاً:
فقال أبو العالية: لأنهم عَجِلُوا، فاتخذوه إلهاً، قبل أن يأتيهم موسى، وقال غيره: بل سُمِّيَ بذلك، لأنه صار عجلاً جسداً له خُوَارٌ.
ثُمَّ إنهم عكفوا على العجل يعبدونه، فقال لهم هارون من قبل: يا قومِ إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن، فاتبعوني، وأطيعوا أمري، قالوا: لن نبرح عليه عاكفين، حتى يرجع إلينا موسى.
قوله عز وجل: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [طه: 90؛ 91]:
أما (إذ) فاسم للوقت الماضي، و(إذا) اسم للوقت المستقبل، و(الكتاب) هو التوراة. وفي الفرقان أربعةُ أقاويلَ:
أحدها: أن الفُرْقان هو الكتاب فذكره باسمين تأكيداً، وهو قول الفراء.
والثاني: أن الفُرْقَانَ: ما في التوراة من فَرْقٍ بني الحقِّ والباطلِ، فيكون ذلك نعتاً للتوراة، وهذا قول ابن عباس وأبي العالية.
والثالث: أن الفرقان النصر، الذي فرَّق الله به بين موسى وفرعون، حتى أنجى موسى وقومَهُ، وأغرق فرعون وقومهُ، وهذا قول أبي زيدٍ.
والرابع: أن الفرقان: انفراق البحر لِبَنِي إسرائيلَ، حتى عبروا فيه.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14